نجح «الديمقراطيون» في وضع قضية تحمل تكاليف الرعاية الصحية في صدارة الأجندة الوطنية خلال معركة الإغلاق الحكومي التي انتهت الشهر الماضي، بل إنهم ضغطوا على إدارة ترامب لتقديم مقترحات، حتى لو خاطئة، تحت مسمى القدرة على تحمل التكاليف. ويمكن اعتبار ذلك انتصاراً.
لكن مجرد الدفاع عن قانون الرعاية الصحية الميسرة لا يُنتج خطة صحية. ويتمتع نحو 150 مليون أميركي بتأمين صحي يوفره صاحب العمل، بينما تُكلف خطة الرعاية الصحية للأسرة الآن العمال ما يقارب 7000 دولار سنوياً من رواتبهم، و27 ألف دولار إجمالاً، أي ما يعادل تكلفة سيارة تويوتا كورولا جديدة كل عام.
ويشعر نصف الأميركيين بالقلق من عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الرعاية الصحية. لذلك، يحتاج الكونجرس والجمهور الأميركي بشدة لأفكار جديدة.وبينما يتردد ترامب و«الجمهوريون»، يمكن لـ«الديمقراطيين» اغتنام الفرصة وصياغة مشروع قانون أكثر شمولاً لتحمل تكاليف الرعاية الصحية. لذا، يمكن تطبيق هذه الإصلاحات الخمسة بشكل فوري لضبط التكاليف:
أولاً، يجب وضع حد أقصى لأسعار المستشفيات وتوحيدها في جميع أنحاء البلاد، مع بقاء التفاوت الوحيد في تكلفة العمالة والإيجار في مختلف المناطق. وفي عام 2023، آخر عام تتوفر عنه بيانات رسمية، استهلكت المستشفيات نحو ثلث إجمالي الإنفاق الصحي، بما يعادل أكثر من 1.5 تريليون دولار. ومنذ عام 2000، ارتفعت أسعار المستشفيات بوتيرة أسرع من أي قطاع اقتصادي آخر. كما يمكن أن تختلف تكلفة الإجراء نفسه بعشرة أضعاف بين المستشفيات، حسب شركة التأمين التي تدفع. وغالباً ما تزيد تكلفة الإجراءات التي تُجرى في المستشفيات بعشرات الآلاف عن تكلفة الإجراءات المماثلة التي تُجرى في عيادات الأطباء أو مراكز الجراحة الخارجية.
وعلى الحكومة الفيدرالية تبني الفكرة «الجمهورية» التي مفادها ضرورة وضع حد أقصى لأسعار المستشفيات كنسبة مئوية من أسعار برنامج الرعاية الطبية «ميديكير»، مع وضع حد أقصى أعلى في الأسواق الأكثر تنافسية. ومن شأن ذلك أن يُعزز المنافسة بين المستشفيات، ويخفض الفواتير. وقد وفرت هذه الحدود القصوى المال في ولاية أوريغون، وتم توقيع سياسة مماثلة في ولاية إنديانا مؤخراً.
ثانياً، يجب معالجة حوافز الأطباء، حيث يتقاضى غالبيتهم حالياً رسوماً مقابل الخدمات. وبالتالي، يحصلون على رواتب أعلى كلما بذلوا جهداً أكبر. النتيجة إنفاق أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في الإنفاق الصحي غير الفعال وغير المبرر.
ويكمن الحل في المدفوعات القائمة على القيمة. أي يجب أن يُدفع للأطباء مقابل تحسين صحة المرضى، وليس مقابل إجراء المزيد من العلاجات والإجراءات. ويجب تغطية العمليات الجراحية، وقسطرة القلب، وتنظير القولون، وجميع الإجراءات الأخرى برسوم «محددة» شاملة وموحدة للطبيب، كذلك جناح الجراحة، وجميع التكاليف الأخرى، مع منح مكافآت للنتائج عالية الجودة وطويلة الأمد. وتشير التجارب الحكومية لهذا النهج إلى تحقيق وفورات في حدود 3%، دون انخفاض الجودة. ويمكن تطبيق هذا النهج على الإجراءات الشائعة مثل استبدال مفصل الورك.
وبالمثل، ينبغي دفع أجور أطباء الرعاية الأولية لكل شخص تتم رعايته وليس لكل زيارة، مع منح مكافآت لتوفير المال وتحقيق نتائج عالية الجودة.
ثالثاً، يجب تغيير سلوك شركات التأمين. ففي برنامج «ميديكير أدفانتج»، تُكافأ شركات التأمين الخاصة بناء على انخفاض عروض أسعارها مقارنةً بمعيار ميديكير. وبدلاً من ذلك، يجب على شركات التأمين التنافس فيما بينها بناء على أقساط التأمين التي تفرضها. وإضافة إلى خفض التكاليف على الأفراد، قد توفر تلك المنافسة للحكومة ما يصل إلى 230 مليار دولار خلال 10 سنوات.
كما ينبغي إلزام شركات التأمين بتقديم أدنى أسعار متفاوض عليها لجميع عملائها. وتتفاوض الشركات حالياً على أسعار المستشفيات التي تقل بنسبة 8% للمرضى الذين تؤمنهم عليهم مقارنة بالخطط التي تتولى إدارتها فحسب. وأخيراً، يجب ألا يتجاوز الحد الأقصى للخصومات لجميع الخطط الخاصة 2% من متوسط دخل الأسرة، أي نحو 1650 دولاراً.
رابعاً، هناك حاجة إلى إصلاحات مماثلة لمعالجة أسعار الأدوية ومديري استحقاقات الصيدليات، والتي يجب أن تتراوح بين ربط أسعار الأدوية بالمزايا الصحية وخفض الأسعار الإلزامي بعد 5 و10 سنوات، كما هو الحال في أستراليا واليابان. كذلك يجب فصل المدفوعات عن سعر الأدوية التي تغطيها، حتى لا تحقق شركات إدارة استحقاقات الصيدليات أرباحاً أكبر من خلال زيادة تكاليف الأدوية. كما ينبغي إلزام شركات إدارة استحقاقات الصيدليات بإدراج الأدوية الحيوية المماثلة في أي قائمة أدوية إن وجدت.
خامساً، التكاليف الإدارية خارجة عن السيطرة، حيث تبلغ نحو تريليون دولار سنوياً، أو ما يقرب من 20% من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية.
وقد قدرت شركة ماكينزي الاستشارية العالمية أنه يمكن توفير نحو 250 مليار دولار سنوياً من خلال أتمتة جدول المواعيد، وإعداد تقارير الجودة، وإدخال البيانات، وخدمات العملاء. كما يلزم إنشاء مركز لتسوية المطالبات لتسهيل المدفوعات، على غرار ما وضعه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمعايير المدفوعات الإلكترونية، وأيضاً شبكة مركزية لتمكين استخدام أجهزة الصراف الآلي المنتشرة.ولا تعتبر السيطرة على التكاليف الحل الأمثل لمشاكل الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، ولكنها قد توفر إغاثة مالية عاجلة لغالبية الأميركيين، وتُعد خطوة أولية ضرورية لإصلاح شامل للرعاية الصحية. ويتمتع «الديمقراطيون» بزخم وتفوق في تلك القضية. فلماذا لا يتم استغلال ذلك لتحسين الأوضاع والفوز في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026؟
*أستاذ ونائب عميد المبادرات العالمية في جامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب صدر مؤخراً بعنوان «أي دولة لديها أفضل رعاية صحية في العالم؟».
*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»


